02/02/13

IBNU HAJAR AL-ASQALANI (W. 852 H) BERCERITA TENTANG IBNU TAIMIYYAH (W. 728 H)

0

  • Kitab: ad-Durar al-Kaminah fi A'yani al-Mi'ah as-Tsaminah
  • Pengarang: Ibnu Hajar Ahmad bin Ali bin Muhammad bin Hajar al-Asqalani (w. 852 H
  • Download: Klik
  • Keterangan: Kitab karya Ibnu Hajar ini bercerita tentang Ulama'-Ulama' yang yang hidup dari tahun 101 sampai sekitar 800an Hijriyyah. Tak hanya Ulama' saja, Ibnu Hajar juga bercerita tentang sejarah para Raja, Menteri, para penulis kitab, Sastrawan, Penyair dan lain sebagainya. Diantara Ulama' yang diceritakan oleh Ibnu hajar (w. 852 H) di kitab ini adalah Ibnu Taymiyyah al-Harrani (w. 728 H).
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني ثم الدمشقي الحنبلي تقي الدين أبو العباس بن شهاب الدين ابن مجد الدين

ولد في عاشر ربيع الأول سنة 661 وتحول به أبوه من حران سنة 670، فسمع من ابن عبد الدائم والقاسم الإربلي والمسلم ابن علان وابن أبي عمر والفخر في آخرين

وقرأ بنفسه ونسخ سنن أبي داود وحصل الأجزاء ونظر في الرجال والعلل وتفقه وتمهر وتميز وتقدم وصنف ودرس وأفتى وفاق الأقران. وصار عجبا في سرعة الاستحضار وقوة الجنان والتوسع في المنقول والمعقول والإطالة على مذاهب السلف والخلف.

وأول ما أنكروا عليه من مقالاته في شهر ربيع الأول سنة 698 قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب "الفتوى الحموية" وبحثوا معه ومنع من الكلام. ثم حضر مع القاضي إمام الدين القزويني فانتصر له. وقال هو وأخوه جلال الدين من قال عن الشيخ تقي الدين شيئا عزرناه.

ثم طلب ثاني مرة في سنة 705 إلى مصر فتعصب عليه بيبرس الجاشنكير وانتصر له سلار ثم آل أمره أن حبس في خزانة البنود مدة. ثم نقل في صفر سنة 709 إلى الإسكندرية ثم أفرج عنه وأعيد إلى القاهرة ثم أعيد إلى الإسكندرية. ثم حضر الناصر من الكرك فأطلقه ووصل إلى دمشق في آخر سنة 712.

وكان السبب في هذه المحنة أن مرسوم السلطان ورد على النائب بامتحانه في معتقده لما وقع إليه من أمور تنكر في ذلك. فعقد له مجلس في سابع رجب وسئل عن عقيدته فأملأ منها شيئا ثم احتضروا العقيدة التي تعرف بالواسطية فقرىء منها وبحثوا في مواضع.

ثم اجتمعوا في ثاني عشرة وقرروا الصفي الهندي يبحث معه ثم أخروه وقدموا الكمال الزملكاني ثم انفصل الأمر على أنه شهد على نفسه أنه شافعي المعتقد. فأشاع أتباعه أنه انتصر فغضب خصومه ورفعوا واحدا من أتباع ابن تيمية إلى الجلال القزويني نائب الحكم بالعادلية فعزره. وكذا فعل الحنفي باثنين منهم.

ثم في ثاني عشرى رجب، قرأ المزي فصلا من كتاب أفعال العباد للبخاري في الجامع فسمعه بعض الشافعية، فغضب وقالوا نحن المقصودون بهذا. ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه

فبلغ ابن تيمية فتوجه إلى الحبس فأخرجه بيده فبلغ القاضي فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيمية فتشاجرا بحضرة النائب واشتط ابن تيمية على القاضي لكون نائبه جلال الدين آذى أصحابه في غيبة النائب. فأمر النائب من ينادي أن من تكلم في العقائد فعل كذا به وقصد بذلك تسكين الفتنة

ثم عقد لهم مجلس في سلخ رجب وجرى فيه بين ابن الزملكاني وابن الوكيل مباحثة. فقال ابن الزملكاني لابن الوكيل ما جرى على الشافعية قليل حتى تكون أنت رئيسهم. فظن القاضي نجم الدين بن صصرى أنه عناه فعزل نفسه وقام فأعانه الأمراء وولاه النائب وحكم الحنفي بصحة الولاية ونفذها المالكي فرجع إلى منزله وعلم أن الولاية لم تصح، فصمم على العزل فرسم النائب لنوابه بالمباشرة إلى أن يرد أمر السلطان.

ثم وصل بريدي في أواخر شعبان بعوده ثم وصل بريدي في خامس رمضان بطلب القاضي والشيخ وأن يرسلوا بصورة ما جرى للشيخ في سنة 698 ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن الجاشنكير والقاضي المالكي قد قاما في الإنكار على الشيخ وأن الأمر اشتد بمصر على الحنابلة، حتى صفع بعضهم ثم توجه القاضي والشيخ إلى القاهرة ومعهما جماعة فوصلا في العشر الأخير من رمضان.

وعقد مجلس في ثالث عشر منه بعد صلاة الجمعة فادعى على ابن تيمية عند المالكي، فقال هذا عدوى ولم يجب عن الدعوى، فكرر عليه فأصر فحكم المالكي بحبسه فأقيم من المجلس وحبس في برج. ثم بلغ المالكي أن الناس يترددون إليه، فقال: يجب التضييق عليه إن لم يقتل، وإلا فقد ثبت كفره.

فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجب وعاد القاضي الشافعي إلى ولايته ونودي بدمشق، من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله خصوصا الحنابلة. فنودي بذلك وقرىء المرسوم وقرأها ابن الشهاب محمود في الجامع، ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها وأشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الإمام الشافعي.

وذكر ولد الشيخ جمال الدين ابن الظاهري في كتاب كتبه لبعض معارفه بدمشق أن جميع من بمصر من القضاة والشيوخ والفقراء والعلماء والعوام يحطون على ابن تيمية إلا الحنفي فإنه يتعصب له وإلا الشافعي فإنه ساكت عنه.

وكان من أعظم القائمين عليه الشيخ نصر المنبجي، لأنه كان بلغ ابن تيمية أنه يتعصب لابن العربي. فكتب إليه كتابا يعاتبه على ذلك فما أعجبه لكونه بالغ في الحط على ابن العربي وتكفيره فصار هو يحط على ابن تيمية ويغري به بيبرس الجاشنكير وكان بيبرس يفرط في محبة نصر ويعظمه.

وقام القاضي زين الدين ابن مخلوف قاضي المالكية مع الشيخ نصر وبالغ في أذية الحنابلة. واتفق أن قاضي الحنابلة شرف الدين الحراني كان قليل البضاعة في العلم فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوه خطه بذلك.

واتفق أن قاضي الحنفية بدمشق وهو شمس الدين ابن الحريري انتصر لابن تيمية وكتب في حقه محضرا بالثناء عليه بالعلم والفهم، وكتب فيه بخطه ثلاثة عشر سطرا من جملتها أنه منذ ثلاثمائة سنة ما رأى الناس مثله.

فبلغ ذلك ابن مخلوف فسعى في عزل ابن الحريري، فعزل وقرر عوضه شمس الدين الأذرعي. ثم لم يلبث الأذرعي أن عزل في السنة المقبلة.

وتعصب سلار لابن تيمية وأحضر القضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنفي وتكلم معهم في إخراجه. فاتفقوا على أنهم يشترطون فيه شروطا وأن يرجع عن بعض العقيدة. فأرسلوا إليه مرات فامتنع من الحضور إليهم، واستمر ولم يزل ابن تيمية في الجب إلى أن شفع فيه مهنا أمير آل فضل.

فأخرج في ربيع الأول في الثالث وعشرين منه، وأحضر إلى القلعة ووقع البحث مع بعض الفقهاء. فكتب عليه محضر بأنه قال: أنا أشعري. ثم وجد خطه بما نصه الذي اعتقد أن القرآن معنى قائم بذات الله، وهو صفة من صفات ذاته القديمة، وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله: { الرحمن على العرش استوى } ليس على ظاهره، ولا أعلم كنه المراد به بل لا يعلمه إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء. وكتبه أحمد بن تيمية ثم أشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختارا.

وذلك في خامس عشري ربيع الأول سنة 707، وشهد عليه بذلك جمع جم من العلماء وغيرهم وسكن الحال وأفرج عنه وسكن القاهرة.

ثم اجتمع جمع من الصوفية عند تاج الدين إبن عطاء فطلعوا في العشر الأوسط من شوال إلى القلعة، وشكوا من ابن تيمية أنه يتكلم في حق مشايخ الطريق وأنه قال لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم فاقتضى الحال أن أمر بتسييره إلى الشام فتوجه على خيل البريد وكل ذلك والقاضي زين الدين ابن مخلوف مشتغل بنفسه بالمرض وقد أشرف على الموت، وبلغه سفر ابن تيمية فراسل النائب فرده من بلبيس وادعى عليه عند ابن جماعة وشهد عليه شرف الدين ابن الصابوني وقيل إن علاء الدين القونوي أيضا شهد عليه، فاعتقل بسجن بحارة الديلم في ثامن عشر شوال إلى سلخ صفر سنة 709.

فنقل عنه أن جماعة يترددون إليه وأنه يتكلم عليهم في نحو ما تقدم فأمر بنقله إلى الإسكندرية فنقل إليها في سلخ صفر وكان سفره صحبة أمير مقدم ولم يمكن أحدا من جهته من السفر معه، وحبس ببرج شرقي ثم توجه إليه بعض أصحابه فلم يمنعوا منه. فتوجهت طائفة منهم بعد طائفة، وكان موضعه فسيحا فصار الناس يدخلون إليه ويقرؤون عليه ويبحثون معه. قرأت ذلك في تاريخ البرزالي.

فلم يزل إلى أن عاد الناصر إلى السلطنة فشفع فيه عنده فأمر بإحضاره فاجتمع به في ثامن عشر شوال سنة 9 فأكرمه وجمع القضاة وأصلح بينه وبين القاضي المالكي. فاشترط المالكي أن لا يعود. فقال له السلطان قد تاب وسكن القاهرة وتردد الناس إليه إلى أن توجه صحبة الناصر إلى الشام بنية الغزاة في سنة 712، وذلك في شوال.

فوصل دمشق في مستهل ذي القعدة، فكانت مدة غيبته عنها أكثر من سبع سنين، وتلقاه جمع عظيم فرحا بمقدمه. وكانت والدته إذ ذاك في قيد الحياة.

ثم قاموا عليه في شهر رمضان سنة 719 بسبب مسألة الطلاق، وأكد عليه المنع من الفتيا. ثم عقد له مجلس آخر في رجب سنة عشرين ثم حبس بالقلعة ثم أخرج في عاشوراء سنة 721.

ثم قاموا عليه مرة أخرى في شعبان سنة 726 بسبب مسألة الزيارة، واعتقل بالقلعة فلم يزل بها إلى أن مات في ليلة الإثنين العشرين من ذي القعدة سنة 728.

قال الصلاح الصفدي كان كثيرا ما ينشد:
( تموت النفوس بأوصابها *** ولم تدر عوادها ما بها )
( وما أنصفت مهجة تشتكي *** اذاها إلى غير أحبابها )
وكان ينشد كثيرا:
( من لم يقد ويدس في خيشومه *** رهج الخميس فلن يقود خميسا )
وأنشد له على لسان الفقراء:
( والله ما فقرنا اختيار *** وإنما فقرنا اضطرار )
( جماعة كلنا كسالى *** وأكلنا ما له عيار )
( يسمع منا إذا اجتمعنا *** حقيقة كلها فشار )

وسرد أسماء تصانيفه في ثلاثة أوراق كبار، وأورد فيه من أمداح أهل عصره كابن الزملكاني قبل أن ينحرف عليه، وكأبي حيان، كذلك وغيرهما. قال ورثاه محمود بن علي الدقوقي ومجير الدين ابن الخياط وصفى الدين عبد المؤمن البغدادي وجمال الدين ابن الأثير وتقي الدين محمد ابن سليمان الجعبري وعلاء الدين بن غانم وشهاب الدين ابن فضل الله وزين الدين ابن الوردي وجمع جم. وأورد لنفسه فيه مرثية على قافية الضاد المعجمة.

قال الذهبي ما ملخصه: كان يقضي منه العجب إذا ذكر مسالة من مسائل الخلاف واستدل ورجع وكان يحق له الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه. قال: وما رأيت أسرع انتزاعا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه ولا أشد استحضارا للمتون وعزوها منه، كأن السنة نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحة.

وكان آية من آيات الله في التفسير والتوسع فيه. وأما أصول الديانة ومعرفة أقوال المخالفين فكان لا يشق غباره فيه، هذا مع ما كان عليه من الكرم والشجاعة والفراغ عن ملاذ النفس. ولعل فتاويه في الفنون تبلغ ثلاثمائة مجلد بل أكثر. وكان قوالا بالحق لا يأخذه في الله لومة لائم.

قال: ومن خالطه وعرفه فقد ينسبني إلى التقصير فيه ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه، وقد أوذيت من الفريقين من أصحابه وأضداده. وكان أبيض أسود الرأس واللحية قليل الشيب شعره إلى شحمة أذنيه، وكأن عينيه لسانان ناطقان ربعة من الرجال بعيد ما بين المنكبين جهوري الصوت فصيحا سريع القراءة، تعتريه حدة لكن يقهرها بالحلم.

قال: ولم أر مثله في ابتهاله واستغاثته وكثرة توجهه، وأنا لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية، فإنه كان مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين بشرا من البشر تعتريه حدة في البحث وغضب وشظف للخصم، تزرع له عداوة في النفوس وإلا لو لاطف خصومه لكان كلمة إجماع.

فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بشنوفه مقرون بندور خطائه، وأنه بحر لا ساحل له وكنز لا نظير له ولكن ينقمون عليه أخلافا وأفعالا وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك.

قال: وكان محافظا على الصلاة والصوم معظما للشرائع ظاهرا وباطنا، لا يؤتى من سوء فهم، فإن له الذكاء المفرط. ولا من قلة علم فإنه بحر زخار. ولا كان متلاعبا بالدين ولا ينفرد بمسائله بالتشهي. ولا يطلق لسانه بما اتفق بل يحتج بالقرآن والحديث والقياس ويبرهن ويناظر أسوة من تقدمه من الأئمة. فله أجر على خطائه وأجران على إصابته.

إلى أن قال: تمرض أياما بالقلعة بمرض جد إلى أن مات ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة، وصلى عليه بجامع دمشق وصار يضرب بكثرة من حضر جنازته المثل، وأقل ما قيل في عددهم أنهم خمسون ألفا.

قال الشهاب ابن فضل الله لما قدم ابن تيمية على البريد إلى القاهرة في سنة سبعمائة نزل عند عمي شرف الدين وحض أهل المملكة على الجهاد فأغلظ القول للسلطان والأمراء ورتبوا له في مقر إقامته في كل يوم دينارا ومخفقة طعام، فلم يقبل شيئا من ذلك. وأرسل له السلطان بقجة قماش فردها قال: ثم حضر عنده شيخنا أبو حيان فقال: ما رأت عيناي مثل هذا الرجل. ثم مدحه بأبيات ذكر أنه نظمها بديها وأنشده إياها:

( لما أتانا تقي الدين لاح لنا *** داع إلى الله فرد ما له وزر )
( على محياه من سيما الأولى صحبوا *** خير البرية نور دونه القمر )
( حبر تسربل منه دهره حبرا *** بحر تقاذف من أمواجه الدرر )
( قام ابن تيمية في نصر شرعتنا *** مقام سيد تيم إذ عصت مضر )
( وأظهر الحق إذ آثاره اندرست *** وأخمد الشر إذ طارت له شرر )
( كنا نحدث عن حبر يجيء بها *** أنت الإمام الذي قد كان ينتظر )

قال: ثم دار بينهما كلام فجرى ذكر سيبويه، فأغلظ ابن تيمية القول في سيبويه، فنافره ابو حيان وقطعه بسببه. ثم عاد ذاما له، وصير ذلك ذنبا لا يغفر.

قال: وحج ابن المحب سنة 34 فسمع من ابي حيان أناشيد، فقرأ عليه هذه الأبيات. فقال: قد كشطتها من ديواني ولا أذكره بخير. فسأله عن السبب في ذلك، فقال: ناظرته في شيء من العربية، فذكرت له كلام سيبويه، فقال: يفشر سيبويه. قال أبو حيان: وهذا لا يستحق الخطاب.

ويقال إن ابن تيمية قال له: ما كان سيبويه نبي النحو ولا كان معصوما بل أخطأ في الكتاب في ثمانين موضعا ما تفهمها أنت. فكان ذلك سبب مقاطعته إياه. وذكره في تفسيره البحر بكل سوء. وكذلك في مختصره النهر.

ورثاه شهاب الدين ابن فضل الله بقصيدة رائية مليحة، وترجم له ترجمة هائلة تنقل من المسالك إن شاء الله. ورثاه زين الدين ابن الوردي بقصيدة لطيفة طائية. وقال جمال الدين السومري في أماليه: ومن عجائب ما وقع في الحفظ من أهل زماننا، أن ابن تيمية كان يمر بالكتاب مطالعة مرة فينتقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه.

وقال الأقشهري في رحلته في حق ابن تيمية: بارع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب وفنون أخر. وما من فن إلا له فيه يد طولى، وقلمه ولسانه متقاربان.

قال الطوفي، سمعته يقول: من سألني مستفيدا حققت له، ومن سألني متعنتا ناقضته فلا يلبث أن ينقطع فأكفى مؤنته، وذكر تصانيفه. وقال في كتابه إبطال الحيل: عظيم النفع، وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث، فيورد في ساعة من الكتاب والسنة واللغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس، كأن هذه العلوم بين عينيه، فأخذ منها ما يشاء ويذر.

ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجب بنفسه حتى زها على أبناء جنسه واستشعر أنه مجتهد، فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم قويهم وحديثهم، حتى انتهى إلى عمر فخطأه في شيء. فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر.

وقال في حق علي: أخطأ في سبعة عشر شيئا، ثم خالف فيها نص الكتاب منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين. وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة، يقع في الأشاعرة حتى أنه سب الغزالي. فقام عليه قوم كادوا يقتلونه. ولما قدم غازان بجيوش التتر إلى الشام، خرج إليه وكلمه بكلام قوي، فهم بقتله ثم نجا واشتهر أمره من يومئذ.

واتفق الشيخ نصر المنبجي كان قد تقدم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، فبلغه أن ابن تيمية يقع في ابن العربي لأنه كان يعتقد أنه مستقيم وأن الذي ينسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهم من ينكر عليه.

فأرسل ينكر عليه، وكتب إليه كتابا طويلا ونسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو حقيقة الإلحاد. فعظم ذلك عليهم وأعانه عليه قوم آخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة وقعت منه في مواعيده وفتاويه، فذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين، فقال: كنزولي هذا. فنسب إلى التجسيم. ورده على من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو استغاث، فأشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة. فجرى عليه ما جرى وحبس مرارا، فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر، وهو مع ذلك يشغل ويفتي إلى أن اتفق أن الشيخ نصرا قام على الشيخ كريم الدين الآملي شيخ خانقاه سعيد السعداء، فأخرجه من الخانقاه، وعلى شمس الدين الجزري فأخرجه من تدريس الشريفية.

فيقال إن الآملي دخل الخلوة بمصر أربعين يوما، فلم يخرج حتى زالت دولة بيبرس وخمل ذكر نصر وأطلق ابن تيمية إلى الشام، وافترق الناس فيه شيعا.

فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك، كقوله إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله، وأنه مستو على العرش بذاته. فقيل له يلزم من ذلك التحيز والانقسام. فقال: أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام. فألزم بأنه يقول بتحيز في ذات الله.

ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستغاث به، وأن في ذلك تنقيصا ومنعا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري، فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك، قال بعض الحاضرين: يعزر. فقال البكري لا معنى لهذا القول، فإنه إن كان تنقيصا يقتل وإن لم يكن تنقيصا لا يعزر.

ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم، ولقوله إنه كان مخذولا حيث ما توجه وإنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها وإنما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله إنه كان يحب الرئاسة، وإن عثمان كان يحب المال، ولقوله أبو بكر أسلم شيخا يدري ما يقول، وعلي أسلم صبيا والصبي لا يصح إسلامه على قول، وبكلامه في قصة خطبة بنت أبي جهل ومات ما نسبها من الثناء على . . . وقصة أبي العاص ابن الربيع وما يؤخذ من مفهومها فإنه شنع في ذلك فألزموه بالنفاق، لقوله صلى الله عليه وسلم: ولا يبغضك إلا منافق.

ونسبه قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى، فإنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه، فكان ذلك مؤكدا لطول سجنه. وله وقائع شهيرة وكان إذا حوقق وألزم يقول: لم أرد هذا إنما أردت كذا، فيذكر احتمالا بعيدا.

قال: وكان من أذكياء العالم، وله في ذلك أمور عظيمة. منها أن محمد بن أبي بكر السكاكيني عمل أبياتا على لسان ذمي في إنكار القدر، وأولها:
( أيا علماء الدين ذمي دينكم *** تحير دلوه بأعظم حجة )
( إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم *** ولم يرضه مني فما وجه حيلتي )

فوقف عليها ابن تيمية، فثنى إحدى رجليه على الأخرى وأجاب في مجلسه قبل أن يقوم بمائة وتسعة عشر بيتا أولها:
( سؤالك يا هذا سؤال معاند *** مخاصم رب العرش باري البرية )

وكان يقول: أنا فاقرت في الأقفاص. وقال شيخ شيوخنا الحافظ أبو الفتح اليعمري في ترجمة ابن تيمية: حداني يعني المزي على رؤية الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين فألفيته ممن أدرك من العلوم حظا، وكان يستوعب السنن والآثار حفظا. إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر في الحديث فهو صاحب علمه وذو روايته، أو حاضر بالملل والنحل، لم ير أوسع من نحلته في ذلك ولا أرفع من درايته. برز في كل فن على أبناء جنسه ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه.

كان يتكلم في التفسير فيحضر مجلسه الجم الغفير ويردون من بحره العذب النمير يرتعون من ربع فضله في روضة وغدير إلى أن دب إليه من أهل بلده داء الحسد وألب أهل النظر منهم على ما ينتقد عليه من أمور المعتقد،، فحفظوا عنه في ذلك كلاما أوسعوه بسببه ملاما وفوقوا لتبديعه سهاما وزعموا أنه خالف طريقهم وفرق فريقهم فنازعهم ونازعوه وقاطع بعضهم وقاطعوه ثم نازع طائفة أخرى ينتسبون من الفقر إلى طريقة ويزعمون أنهم على أدق باطن منها وأجلى حقيقة، فكشف تلك الطرائق وذكر على ما زعم بوائق فآضت إلى الطائفة الأولى من منازعيه، واستغاثت بذوي الضغن عليه من مقاطعيه، فوصلوا بالأمراء أمره وأعمل كل منهم في كفره فكره فرتبوا محاضر وألبوا الرويبضة للسعي بها بين الأكابر، وسعوا في نقله إلى حضرة المملكة بالديار المصرية، فنقل وأودع السجن ساعة حضوره واعتقل وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قوما من عمار الزوايا وسكان المدارس ما بين مجامل في المنازعة ومخاتل بالمخادعة ومجاهر بالتكفير مباد بالمقاطعة يسومونه ريب المنون، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.

وليس المجاهر بكفره بأسوأ حالا من المجامل، وقد دبت إليه عقارب مكره فرد الله كيد كل في نحره ونجاه على يد من اصطفاه والله غالب على أمره، ثم لم يخل بعد ذلك من فتنة بعد فتنة ولم ينتقل طول عمره من محنة إلا إلى محنة إلى أن فوض أمره إلى بعض القضاة، فتقلد ما تقلد من اعتقاله ولم يزل بمحبسه ذلك إلى حين ذهابه إلى رحمة الله وانتقاله وإلى الله ترجع الأمور وهو مطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

كان يومه مشهودا ضاقت بجنازته الطريق وانتابها المسلمون من كل فج عميق، يتقربون بمشهده يوم يقوم الأشهاد، ويتمسكون بسريره حتى كسروا تلك الأعواد.

قال الذهبي مترجما له في بعض الإجازات: قرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو دون البلوغ وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرس وهو دون العشرين، وصنف التصانيف وصار من كبار العلماء في حياة شيوخه وتصانيفه نحو أربعة آلاف كراسة وأكثر.

وقال في موضع آخر: وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلا عن المذاهب الأربعة فليس له فيه نظير. وفي موضع آخر: وله باع طويل في معرفة أقوال السلف وقل أن تذكر مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الأئمة، وقد خالف الأئمة الأربعة في عدة مسائل. صنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة، ولما كان معتقلا بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز له بعض مروياته فكتب له جملة من ذلك في عشرة أوراق بأسانيده من حفظه بحيث يعجز أن يعمل بعضه أكبر من يكون وأقام عدة سنين لا يفتي بمذهب معين.

وقال في موضع آخر: بصيرا بطريقة السلف واحتج له بأدلة وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها غيره حتى قام عليه خلق من العلماء بالمصرين فبدعوه وناظروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق إذا أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته فجرى بينهم حملات حربية ووقعات شآمية ومصرية ورموه عن قوس واحدة ثم نجاه الله تعالى، وكان دائم الابتهال كثير الاستعانة قوي التوكل رابط الجأش له أوراد وأذكار يدمنها قلبية وجمعية.

وكتب الذهبي إلى السبكي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيمية فأجابه، ومن جملة الجواب: وأما قول سيدي في الشيخ تقي الدين فالمملوك يتحقق كبير قدره وزخارة بحره وتوسعه في العلوم النقلية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائما وقدره في نفسير أكبر من ذلك وأجل مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وحرية على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل فيما مضى من أزمان.

وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي في ثبت شيخ شيوخنا الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل ما نصه وسمع بهاء الدين المذكور على الشيخين شيخنا وسيدنا وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى شيخ التحقيق السالك بمن اتبعه أحسن طريق ذي الفضائل المتكاثرة والحجج القاهرة التي أقرت الأمم كافة أن هممها عن حصرها قاصرة، ومتعنا الله بعلومه الفاخرة ونفعنا به في الدنيا والآخرة وهو الشيخ الإمام العالم الرباني والحبر البحر القطب النوراني إمام الأئمة بركة الأمة 187 علامة العلماء وارث الأنبياء آخر المجتهدين أوحد علماء الدين شيخ الإسلام حجة الأعلام قدوة الأنام برهان المتعلمين قامع المبتدعين سيف المناظرين بحر العلوم كنز المستفيدين ترجمان القرآن أعجوبة الزمان فريد العصر والأوان تقي الدين إمام المسلمين حجة الله على العالمين اللاحق بالصالحين والمشبه بالماضين مفتي الفرق ناصر الحق علامة الهدى عمدة الحفاظ فارس المعاني والألفاظ ركن الشريعة ذو الفنون البديعة أبو العباس ابن تيمية.

وقرأت بخط الشيخ برهان الدين محدث حلب قال: اجتمعت بالشيخ شهاب الدين الأذرعي سنة 79 لما أردت الرحلة إلى دمشق فكتب لي كتبا إلى الياسوفي والحسباني وابن الجابي وابن مكتوم وجماعة الشافعية إذ ذاك فحصل لي بذلك منهم تعظيم، وذكر لي في ذلك المجلس الشيخ تقي الدين ابن تيمية وأثنى عليه وذكر شيئا من كراماته، وذكر أنه حضر جنازته وأن الناس خرجوا من الجامع من كل باب وخرجت من باب البريد فوقعت سرموزتي فلم أستطع أن أستعيدها وصرت أمشي على صدور الناس، ثم لما فرغنا ورجعت لقيت السرموزة، وذلك من بركة الشيخ رحمه الله




[1] Ibnu Hajar al-Asqalani (w. 852 H), ad-Durar al-Kaminah fi A’yani al-Miah as-Tsaminah, (Haidar Abad, Dairatul Ma’arif al-Utsmaniyyah, 1972 M), juz 1, hal. 168

0 komentar:

Posting Komentar